انتقلت اول امس الى خالقها الدكتورة هبة خفاجي،طبيبة الأورام بقصر العيني،ساعية الخير، أحد أعلام العمل الخيري التي كانت تسعى للخير بكل جهدها وبقلبها،رحيلها هذا اصاب الكثير بالحزن،جبرت بخاطر الكثير لذلك الله سبحانه وتعالى جبر بخاطرها بعد وفاتها،عالجت الكثير من المحتاجين داخل مصر وخارج مصر بالمجان،انها ملاك الرحمة هبة خفاجي رحمة الله عليها
وقد كتب اللاعب محمد أبو تريكة على حسابه على الفيس بوك
والفنان نبيل الحلفاوي نعا أيضا الفقيدة هبة خفاجي على حسابه على تويتر
وفي هذا السياق كتبت الكاتبه حنان لاشين
هبة خفاجي رحمها الله عام 2011 كنت قد طلبته منها من أجل صفحة كنت أقوم بإدارتها لانشره تحت عنوان خواطر طبيبة مسلمة فكتبته بقلبها جزاها الله خيرا.
في أول عملي كنت دائمة البكاء والحزن على مرضاي، وخاصة أنهم كانوا أطفالا أكبرهم لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، نادانى ذات مرة أحد أساتذتى وقال لي ضعي بينك وبين مرضاكِ حائط زجاجي ترينهم من خلاله ولكن لا تنسي نفسك وسطهم، دائما حافظي على هذه المسافة بينك وبينهم، وحاولت بالفعل وضع حائط زجاج ونسيت مفتاحه معهم!
فكثيرا ما تسلل أحدهم ليحتل مساحة ومكان فى قلبي وتفكيري وحياتي ووجداني، أهتم لهمومهم و أفرح لفرحهم، افتقدهم إن غابوا وأسال عنهم وأحزن عندما أفقد أحدهم،وأملأ الدنيا أفراحا عند شفائهم
باختصار؛كل منهم أخذ مكانا في قلبي!
أربع سنوات فى العمل مع مرضى الأورام التقيت فيها ب…(سارة)
لن أنس أبدا يوم الأربعاء الساعة الثالثة ظهرا وأستاذي-صاحب نصيحة الحائط الزجاجي-يناديني ليسلمني مريضة جاءت من مستشفى خاص ويحكى لى قصة عبارة عن مضاعفات جلطة في القدم وفى الرئة و انتشار المرض في العظام و…..
أنا وقتها -وبعد نوبتجية طويلة وكل ما أحلم به هو العودة إلى فراشي لأنعم بسويعات من النوم- تخيلت أنه يتحدث عن إمرأة طاعنة فى السن، وأخذت أقول لنفسي:
“هقعد جنبها النهاردة ومش مروحة دي قنبله مش حالة”
ودخلت حجرة جانبية أخبرني أستاذي أنها تستريح على سرير فيها فوجدت فتاة رقيقة في الرابعة عشر من عمرها(قمر 14) ترقد على تروللى الإسعاف وتسبح !
وإذا بكل تعبي ورغبتي في العودة لمنزلي تتبخر، ويحل محلها اعجاب بهذه الطفلة (أقصد الآنسة الصغيرة)
تحدثت مع أمها و خالتها وعرفت أنها تحت العلاج منذ عام، وأن المرض منتشر وغاية فى الشراسة وكيف أنها مع كل هذا الابتلاء ألا أنها صابرة وتخفف عنهم!
ودخلت سارة المستشفى ومن قبل إنهاء إجراءات الدخول وكانت قد غزت هى ووالدتها قلبى…
كان المرض يأكل عظامها وكانت تبكي ألما وتمسح دموعها قبل أن تراها أمها
وكنت أدخل حجرتها لأراها فأجدها تصلى في سريرها وأقف أتأملها وأفكر..
أين الذين هم عن صلاتهم ساهون من هذه الصغيرة؟
أحضرت لي أمها فى يوم صورة وقصاصات من الصحف لأراها، الصغيرة كانت الأولى على المحافظة في الشهادة الإعدادية وكانت بسم الله ما شاء الله آية فى الجمال، بنت تتمناها كل أم…بالتأكيد بلا مرضها!
قالت لى و عبرتها تخنقها:
أختها الأصغر ولدت فى نفس تاريخ مولدها بعد عشر سنوات و كأنها هدية من الله لي لتكون عوضا لى عن “سارة” فى يوم من الأيام.
ثمانية أشهر كاملة عشت معها آلامها وأوجاعها، عشت معها عندما كانت تنزف بلا انقطاع وعشت معها عندما صارت لا تستطيع أن تتبول، وأراد زميلى وقتها تركيب قسطرة وكانت واهنة ضعيفة وبكت وكنت فى إجازة إمتحانات و نزلت من بيتي وأسرعت إلى المستشفى لأطمئن عليها.
فى منتصف الليل…دخلت حجرتها وربّت على كتفها فنظرت لي وابتسمت
أحيانا كنت لا أجد الأدوية المسكنة لها وكانت فى النهاية على (المورفين)
فكنت أدخل لأساتذتى وما أن أبدأ في الكلام عنها حتى أنهار باكية وابكيهم فيصرخون:
“يا بنتي بس قولي عاوزة إيه و مش عايزين نعرف ليه”
شهر رمضان كانت فى نزعها الأخير ومع ذلك أتمت حبيبتى قراءة القرآن الكريم.
أتعلمون؛ أهدتنى كتاب “لا تحزن” وكتبت لى إهداء رقيقا مثلها وكأنها كانت تعلم أنها راحلة وتطلب منى ألا أحزن، وكيف لي أن لا أحزن!
عروس زفّت إلى السماء
كانت تصلي يا من تترك الصلاة
ختمت القرآن يا هاجر القرآن
صبرت واحتسبت يا من تتأفف وأنت غارق في النعم
سبحت لله بدلا من أن تصرخ…آااه
بعد وفاتها بشهر جاءت والدتها لتعطينى الأدوية التى تبقت معها ليستفيد منها مرضى آخرون…
عندما رأتني بكت وأنا بكيت واحتضنتنى واحتضنتها و نسيت كل من حولي في المستشفى وتذكرها هي فقط ولن أنساها أبدا بتقواها، بعفتها، وطهارتها، ببراءتها، و بصبرها، بجلدها.
اللهم ارحمها واغفر لها وارفع درجتها في الفردوس الأعلى واربط على كل مفتقد لها
(عزاء الدكتورة هبة خفاجي غدا الخميس ٣١ يناير بعد صلاة المغرب بمسجد الحامدية الشاذلية).
ليست هناك تعليقات