حقيقة الأمر أننا لا نعلم من صاحب هذه الروايات الأسطورية لسقوط الأندلس والتي تخرج علينا بين الحين والأخر من بعض الدعاة والمشايخ، فالرواية الأكثر شهرة تقول أن سقوط الأندلس كان بعد إرسال جاسوس لبلاد المسلمين بالأندلس لاستطلاع أحوال الناس، في بادئ الأمر وجد الجاسوس طفل يبكي، فسأله ما الذي يبكيك؟ فأجاب الفتى، أنني أصبت تسعة أهداف فقط من عشرة في الرماية، فرجع الجاسوس إلى من أرسله وأخبره أنه لا يمكن غزو المسلمين الآن فإن أطفالهم تبكي إذا أخطأت في هدفا واحد من عشرة أهداف، ثم بعد مرور عدة سنين جاء الجاسوس مرة آخرى لبلاد المسلمين فوجد شاب يبكي فقال له ما يبكيك؟ فقال له هجرتني محبوبتي، فرجع الجاسوس وأخبر قائد الجيش أنهم يجب أن يهجموا الآن على جيش المسلمين، فإن شبابهم لا يشغلهم إلا الحب والهوى.
وبعيداً عن سطحية هذه الروايات وعدم معقوليتها لأسباب كثيرة أهمها أن حروب المسلمين بالأندلس لم تهدأ طوال 800عاما هي عمر الدولة الإسلامية بالأندلس، فإن الإصرار الغريب على ذكرها من جانب بعض الدعاة دون التدقيق في حقيقتها، حتى وإن حَسُنَت النوايا وكان هدف الدعاة من ذكرها الحث على بعض القيم ورفض بعض الممارسات الخاطئة للشباب، فإننا نرفض أن يكون الدعوة للأهداف النبيلة بهذه الروايات الكاذبة الساذجة، فالنية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد.
وإدراكا منا لأهمية التدقيق وإظهار الحقائق التاريخية، قررنا أن نعرض الأسباب الحقيقية التي أنهت الحكم الإسلامي الذي استمر 800 عاما، للبلاد التي تعرف في يومنا هذا بإسبانيا والبرتغال، أو بلاد الأندلس قديما.
أولا: نبذة تاريخية عن بلاد الأندلس
في القرن الأول الهجري، وبعد أن اتسعت الفتوحات الإسلامية لتشمل شمال أفزيفيا والمغرب العربي بالكامل، جاء قرار موسى بن نصير وطارق بن زياد بعبور المضيق الذي أطلق عليه اسمه، مضيق جبل طارق، لنشر الإسلام بأوروبا، حتى تمكن بعد عدة معارك من تأسيس أول دولة للمسلمين بجنوب أوروبا سنة 93هـ، لتتوالى معارك و حروب ضارية بين جيوش المسلمين من جهة وجيوش الفرنجة ومن يواليهم من حكام أوروبا من جهة أخرى، كانت الغلبة في مجملها لجيوش المسلمين، الأمر الذي أرسى دعائم الدولة الأموية بالأندلس التي أسسها “عبد الرحمن الداخل” أو كما يطلق عليه صقر قريش، ثم تبعه الكثير من الحكام والقادة المسلمين الذين خلدهم التاريخ، مثل عبد الرحمن بن محمد (الناصر) والحاجب المنصور ويوسف بن تاشفين، كما قدمت الدولة الإسلامية بالأندلس لأوروبا والعالم العديد من العلماء والفلاسفة مثل القرطبي وابن رشد وعباس بن فرناس وأبو القاسم الزهراوي.
ثانيا : أسباب السقوط الحقيقية
سقوط الأندلس مثل أي سقوط لأي دولة في التاريخ يكون له أسباب موضوعية، تكون في الغالب بسبب ضعف الدولة في مواجهة الأعداء. فمهما كانت الأحوال مثالية في الداخل إذا لم تمتلك الدولة الجيش القوي الذي يصد ويدافع عن الدولة ضد أي هجوم ستقع الدولة لا محالة، ولذلك كانت الأسباب التالية هي اهم أسباب السقوط.
1- تفتت الدولة في آخر عصرها إلى دويلات صغيرة تنازعت فيما بينها على المُلك فأهدرت طاقة الجيوش المُسلمة، بعد أن توالى على حكمها حكام ضعاف خونة، فضلوا مصالحهم الشخصية على مصالح المسلمين، ولعل مقولة أم آخر ملوك الأندلس لابنها وهو يبكى على مشارف غرناطة بعد توقيعه على اتفاقية تنازله عن ملكه حين قالت له “ابكي كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال” هي أصدق وصف لحالة الحكم في ذلك الوقت.
2- توحد جيوش الأعداء بعد زواج “فرديناندو” ملك أراغون من “إيزابيلا” ملكة قشتالة، وهما المملكتان الذين كان بينهم عداء وشقاق كبير طوال فترة حكم المسلمين للأندلس، ليكونا معا جيشا قويا بتسليح لم يشهده المسلمون من قبل، استطاعا أن يسيطرا معا على كل المدن الإسلامية التي إما قاومت وانهزمت أو استسلمت بخيانة حكامها.
باختصار شديد هم توحدوا، وانقسمنا، استعدوا، وتراخينا، فكانت النتيجة انهم انتصروا، وانهذمنا.
وفى الختام نرجو عزيزي القارئ اعتبار هذه المقالة دعوة من كاتبه لك لإعادة تحقيق وتدقيق أغلب الوقائع التاريخية ألتي تعرض عليك، بعد أن امتلأ الواقع المحيط بالكثير من الخرافات والأساطير التي لا أساس لها، والتي أقحمت على الوعى العربي الإسلامي فسطحتهُ وأفسدتهُ.
ليست هناك تعليقات